رياح الجنوب تنشر النص الكامل لمقابلة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان
مع مجلة ذي أتلانتيك الأمريكية اليوم الخميس 3 مارس :
:
* إنني أتردد على البلاد منذ عام 2019م. وفي كل مرة أصل فيها أرى تغييرًا، ومزيدًا من الحداثة، ومزيدًا من التقدم، إننا نقترب من 2030م، وقد أصبحت البلاد مشابهةً لدبي، ومشابهة أيضًا بصورة بسيطة لأميركا. هل تعتقد أن السعودية ستتغير عن حالها وتصبح مثل بقية العالم؟
– إننا لا نحاول أن نكون مثل دبي أو أميركا، بل نسعى إلى أن نتطور بناءً على ما لدينا من مقومات اقتصادية وثقافية وقبل ذلك الشعب السعودي وتاريخنا. نحن نحاول أن نتطور بهذه الطريقة.
ولذا لا نريد أن نقدم مشاريع منسوخة من أماكن أخرى، بل نريد أن نضيف شيئًا جديدًا للعالم، فالكثير من المشاريع التي تقام في المملكة تعد فريدة من نوعها، إنها مشاريع ذات طابع سعودي، فإذا أخذنا العلا على سبيل المثال، فهي موجودة في السعودية فقط، لا يوجد أي نموذج مثلها على هذا الكوكب. وإذا أخذنا أيضًا على سبيل المثال مشروع الدرعية، فهو أكبر مشروع ثقافي في العالم، ويعد فريدًا من نوعه. كما أن المشروع يعد مشروعًا تراثيًّا ثقافيًّا ذا طابع نجدي. وإذا رأينا على سبيل المثال مشروع جدة القديمة، فهو مشروع تطويري قائم على التراث الحجازي، وهذا يعد أمرًا فريدًا من نوعه كذلك، وإذا أخذنا نيوم على سبيل المثال، وذا لاين، المدينة الرئيسية في نيوم، فهي تمثل مشروعًا فريدًا من نوعه تم إنشاؤه وصنعه بواسطة السعودية. إنه لا يعد مشروعًا منسوخًا من أي مشروع آخر موجود في أي منطقة في العالم. بل يمثل تطورًا وإيجادًا للحلول التي لم يتمكن أحد من إيجادها. ولنأخذ على سبيل المثال مشروع القدية في الرياض، الذي يعد أكبر مشروع ترفيهي/ ثقافي/ رياضي في العالم، حيث تبلغ مساحته 300 كيلو متر مربع تقريبًا، وهي المساحة التي تعتبر أكبر من مساحة العديد من دول العالم. ويشمل هذا المشروع كذلك مشاريع ضخمة مثل: مدينة الملاهي، المشاريع الثقافية، المشاريع الرياضية، والمشاريع العقارية، وجميع هذه المشاريع تم عملها بطريقة لم تشهدها مدن أخرى مثل: أورلاندو على سبيل المثال، ولا أي مكان آخر حول العالم؛ لذا فإننا نؤكد مجددًا أننا لا ننسخ المشاريع، بل نحن نحاول أن نكون إبداعيين. إننا نحاول استخدام الأموال التي نملكها في صندوق الاستثمارات العامة، والأموال التي نملكها في ميزانية الحكومة بطريقة إبداعية تعتمد على ثقافتنا وعلى الإبداع السعودي.
أعطني مثالًا على أن أحد المشاريع منسوخة؟.. لا يوجد.
* هل يمكنكم تحديث البلاد إلى درجةٍ تُصبح فيها هوية السعودية الإسلامية أكثر ضعفًا؟
– جميع الدول في العالم قائمة على معتقدات، فعلى سبيل المثال، أميركا قائمة على أساس المعتقدات التالية: الديمقراطية، والحرية، والاقتصاد الحر وغيرها، والشعب يكون متحدًا بناء على هذه المعتقدات، فإذا طرحت السؤال التالي: هل جميع الديمقراطيات جيدة؟ وهل جميع الديمقراطيات مجدية؟ بالتأكيد لا. إن دولتنا قائمة على الإسلام، وعلى الثقافة القبلية، وثقافة المنطقة، وثقافة البلدة، والثقافة العربية، والثقافة السعودية، وعلى معتقداتها، وهذه هي روحنا، وإذا تخلصنا منها، فإن هذا الأمر يعني أن البلد سينهار. والسؤال الأهم هو: كيف يمكننا وضع السعودية على المسار السليم، وليس المسار الخاطئ؟ السؤال ذاته يواجه أميركا: كيف يمكن للمرء أن يضع الديمقراطية والأسواق الحرة والحرية على المسار السليم؟ لأن هذه الأمور قد تسلك المسار الخاطئ، لذا فإننا لن نقلل من أهمية معتقداتنا، لأنها تمثل روحنا، فالمسجد الحرام يوجد في السعودية، ولا يمكن لأحد أن يزيله. لذا فإننا بلا أدنى شك لدينا مسؤولية مستمرة إلى الأبد تجاه المسجد الحرام.
* لكن أعتقد أنك ستتفق أيضًا كون أن طريقة الترويج الحالية للإسلام المعتدل هي مختلفة جدًّا مما كنا سنراه من شخص شاغل منصبك في عام 1983م.
– مصطلح “الإسلام المعتدل” ربما يجعل المتطرفين والإرهابيين سعيدين، حيث إنها أخبار جيدة لهم إذا استخدمنا ذلك المصطلح. فإذا قلنا “الإسلام المعتدل” فإن ذلك قد يوحي أن السعودية والبلدان الأخرى يقومون بتغيير الإسلام إلى شيءٍ جديد.
نحن نرجع إلى تعاليم الإسلام الحقيقية، التي عاش بها الرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء الأربعة الراشدين، حيث كانت مجتمعاتهم منفتحة ومسالمة، وكان عندهم مسيحيون ويهود يعيشون في تلك المجتمعات، وأرشدتنا هذه التعاليم أن نحترم جميع الثقافات والديانات بغض النظر عنها. وهذه التعاليم كانت مثالية، ونحن راجعون إلى الجذور، إلى الشيء الحقيقي. إن ما حدث هو أن المتطرفين اختطفوا الدين الإسلامي وحرفوه، بحسب مصالحهم، حيث إنهم يحاولون جعل الناس يرون الإسلام على طريقتهم، والمشكلة هي انعدام وجود من يجادلهم ويحاربهم بجدية، وبذلك سنحت لهم الفرصة في نشر هذه الآراء المتطرفة المؤدية إلى تشكيل أكثر جماعات الإرهاب تطرفًا، في كلٍّ من العالمين السني والشيعي.
* قد ذكر أشخاص في المؤسسات الدينية هنا أن هذا التطرف غالبًا ما كان ناتجًا عن تأثير جماعة الإخوان في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، ولكن من الواضح أيضًا وجود الكثير من التأثير السعودي آنذاك، حيث إن التيار المحافظ السعودي أمر حقيقي.. فإذن أنت تقول: نحن نتخلص من تأثير جماعة الإخوان الخارجي، وهذا شيءٌ واحد، لكن ماذا عن تصرفك مع العنصر السعودي في التطرف؟
– تلعب جماعة الإخوان المسلمين دور كبير وضخم في خلق كل هذا التطرف، وبعضهم يعد كجسر يودي بك إلى التطرف، وعندما تتحدث إليهم لا يبدون وكأنهم متطرفين، ولكنهم يأخذونك إلى التطرف، فعلى سبيل المثال: أسامة بن لادن والظواهري كانا من الإخوان المسلمين، وقائد تنظيم داعش كان من الإخوان المسلمين، ولذلك تعد جماعة الإخوان المسلمين وسيلة وعنصر قوي في صنع التطرف على مدى العقود الماضية، ولكنَّ الأمر لا يقتصر على جماعة الإخوان المسلمين فحسب، بل خليط من الأمور والأحداث، ليس فقط من العالم الإسلامي، بل حتى من أميركا التي بخوضها حربًا في العراق أعطت للمتطرفين فرصة سانحة، كما أن هناك بعض المتطرفين في السعودية ليسوا من جماعة الإخوان المسلمين قد لعبوا دورًا في ذلك، خصوصًا بعد قيام الثورة في إيران عام 1979م، ومحاولة الاستيلاء على المسجد الحرام بمكة المكرمة.
أما في ما يخص الشيخ محمد بن عبدالوهاب، فهو كسائر الدعاة وليس رسولًا، بل كان داعية فقط، ومن ضمن العديد من ممن عملوا من السياسيين والعسكريين في الدولة السعودية الأولى، وكانت المشكلة في الجزيرة العربية آنذاك أن الناس الذين كانوا قادرين على القراءة أو الكتابة هم فقط طلاب محمد بن عبدالوهاب، وتمت كتابة التاريخ بمنظورهم، وإساءة استخدام ذلك من متطرفين عديدين، ولكنني واثق لو أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والشيخ عبدالعزيز بن باز، ومشايخ آخرين موجودين الأن، فسيكونون من أول الناس المحاربين لهذه الجماعات المتطرفة الإرهابية، والحقيقة في الأمر هي أن تنظيم داعش لا يستخدم شخصية دينية سعودية كمثال يتبعه، ولكن عندما تموت هذه الشخصية، يبدأ عناصر داعش بعد ذلك باقتطاع كلماتهم من سياقها، دون النظر لظروف الزمان والمكان التي صدرت بها.
الشيخ محمد بن عبدالوهاب ليس السعودية، فالسعودية لديها المذهب السنّي والشيعي، وفي المذهب السنّي توجد أربعة مذاهب، ولدى الشيعة مذاهب مختلفة كذلك، ويتم تمثيلها في عدد من الهيئات الشرعية، ولا يمكن لشخص الترويج لإحدى هذه المذاهب ليجعلها الطريقة الوحيدة لرؤية الدين في السعودية، وربما حدث ذلك أحيانًا سابقًا؛ بسبب أحداث قلتها لكم من قبل، خصوصًا في عقدَي الثمانينات والتسعينات، ومن ثم في أوائل القرن الحادي والعشرين، لكن اليوم نحن نضعها على المسار الصحيح كما قلت من قبل، فنحن نرجع إلى الأساس، إلى الإسلام النقي، للتأكد من أن روح السعودية القائمة على مستوى الإسلام، والثقافة، والقبيلة، والبلدة أو المنطقة، هي تخدم الدولة، وتخدم الشعب، وتخدم المنطقة، وتخدم العالم أجمع، وتقودنا إلى النمو الاقتصادي، وهذا ما حصل في السنوات الخمس الأخيرة، ولذلك في يومنا هذا، أنا لا أقول إننا قد نفعل ذلك (العودة للإسلام النقي). وربما لو عملنا هذا اللقاء في 2016م، قد تقولون: إن ولي عهد السعودية يضع افتراضات، ولكننا فعلنا ذلك، وترونه الآن بأعينكم في السعودية، تعالوا فقط وتفقدوا الوضع، وانظروا إلى فيديوهات للسعودية قبل ستة أو سبعة أعوام، فقد فعلنا الكثير، ولاتزال هنالك أمور باقية لنفعلها، وسنعمل على فعلها.
* في واشنطن، عندما التقينا لأول مرة، كنّا نتحدث عن قوانين الوصاية ووتيرة التغيير، وأريتني مقطع فيديو على هاتفك لمجموعة رجال يطلقون بأسلحتهم في زفاف، لا أعلم ما إذا تتذكر ذلك؟
– نعم أتذكر ذلك.
* وقلت أنت: “أتَرى، يجب أن أعمل بالوتيرة المناسبة، ولا يمكنني إنجازها بوتيرة سريعة للغاية؛ لأن هؤلاء الرجال يريدون وتيرة معينة”، لذا سؤالي هو: بعد مرور ثلاث سنوات، هل تشعر أنك تعمل بشكل أسرع الآن؟ هل تشعر بأنه لديك معارضة كبيرة من شيوخ القبائل ورجال الدين؟
– أعتقد أنني عرضت عليك ذلك الفيديو؛ لأنك طرحت عليَّ سؤال حول الديمقراطية في السعودية.
* نعم
– السعودية دولة ملكية، أقيمت وتأسست على هذا النموذج، ولقد أخبرتكم أنه تحت هذه الملكية هناك نظام معقد يتكون من أنظمة قبلية من شيوخ قبائل ورؤساء مراكز وهجر، وقد كنت أريد أن أوضح لكم مثالًا لكيف تبدو الملكية في السعودية.
* إنك تقول: إنك لا تستطيع التحرك بوتيرة سريعة؟
– لا، إنني أقول إنني لا أستطيع تغيير السعودية من ملكية إلى نظام مختلف، وذلك لأن الأمر مرتبط بملكية قائمة منذ ثلاث مئة سنة، وقد عاشت هذه الأنظمة القبلية والحضرية التي يصل عددها إلى 1000 بهذا الأسلوب طيلة السنوات الماضية، وكانوا جزءًا من استمرار السعودية دولة ملكية.
من بين أفراد العائلة المالكة، هنالك أكثر من خمسة آلاف فرد من عائلة آل سعود. وأعضاء هيئة البيعة اختاروني لكي أحمي المصالح الخاصة بالملكية، وتغيير هذا الأمر يعتبر خيانة لأفراد عائلة آل سعود، وكذلك خيانة للقبائل والمراكز والهجر وانقلابًا عليهم، وكل هذه المكونات تساعد على إحداث تغيير في السعودية، ولهذا فإنني لا أعتقد أنهم هم من يتسببون في إبطاء وتيرة التغيير، بل هم الأدوات التي تساعدني على القيام بالمزيد.
* لقد أخبرتنا المرة الماضية عن كيفية استماعك للشعب السعودي، ومعرفة رغباتهم، وماهي مصالحهم في إحداث التغيير، لذا يبدو الأمر وكأنك لم تصل بعد تمامًا إلى خط النهاية، ولم تنتهِ بعد من استكمال التغيير الذي تريد تحقيقه، إلى أي درجة اقتربت من ذلك؟ وإلى درجة يختلف خط النهاية عما خططت للقيام به؟
– إذا قلت لكم: إنني أرى خط النهاية، فهذا الأمر يعني أنني قائد سيء، فخط النهاية يعتبر شيء بعيد، كل ما عليك القيام به هو الركض، والاستمرار بالركض بسرعة أعلى، والمواصلة في خلق المزيد من خطوط النهاية، والاستمرار في الركض.
* لكن هل هناك حد؟ هل سيكون بإمكاني أن أفعل هنا ذات الأمور التي يُمكنني قانونيًّا فعلها في الولايات المتحدة؟ أم سيكون هناك حد معين؛ لأنها دولة إسلامية؟
– اجتماعيًّا؟
* نعم، على سبيل المثال.
– في الإسلام هناك بعض الأمور المُحرمة على المسلمين، وقد حدد الله عقوبتها، وهناك أمور أخرى لم يضع الله لها عقوبة، وهذه الأمور حسابها بينهم وبين الله، أما إذا كنت أجنبيًّا، فلا يمكن تطبيق تعاليم الإسلام عليك، فإن كنت أجنبيًّا يعيش في السعودية أو مسافرًا فيها، فلك الحق في فعل ما تريد، بناءً على معتقداتك، أيًّا كانت هذه المعتقدات، ولكن وفق الأنظمة، وهذا ما حدث في زمن الرسول وزمن الخلفاء الراشدين الأربعة. فلم يُطبقوا القوانين الاجتماعية على غير المسلمين، بغض النظر عمَّا إذا كانوا مواطنين أو مسافرين عبر بلادهم.
* إن معرفتك المُتقنة التي تتحدث بها عن الشريعة الإسلامية فريدة حقًّا بين حُكام السعودية، والموقف الذي تتخذه يُعد موقفًا عصريًّا جدًّا، لكنه أيضًا غير شائع بين علماء المسلمين. لذلك، هل نتوقع في المستقبل أن يهتم حكام السعودية أنفسهم اهتمامًا شخصيًّا وثيقًا بمسائل الشريعة الإسلامية؟ ففي الماضي، كان علماء الدين يسيطرون على هذا المجال.
– في الشريعة الإسلامية، رأس المؤسسة الإسلامية هو ولي الأمر، أي الحاكم. لذلك، فإن القرار النهائي بشأن الفتاوى لا يأتي من المفتي، بل يتخذ القرار النهائي من الملك، وبهذا، فإن المفتي وهيئة الإفتاء يقدمون المشورة للملك، لكن في التعاليم الإسلامية للحاكم القرار النهائي، وقد بُويع على ذلك، وكلمة الفصل هي لملك المملكة العربية السعودية؛ إنهم يعلمون أن باستطاعتهم النقاش، فعليك أن تناقش، وعليك أن تشرح، وعليك أن تستند على الأدلة من تعاليم الإسلام، ومن زمن الرسول، ومن زمن الخلفاء، وعليك أن تتدبر القرآن، وعليك أن تتأمل الحديث حتى توضِّح مقصدك، ومن ثم عليك أن تكون متأكدًا من أن الشعب مستعد لهذه الفتوى ويؤمن بها، وعندئذ يتخذ الملك القرار، ولكن إذا استخدمت السلطة بصفتك الملك واتخذت القرار، دون المرور بمراحل هذه العملية، فإن ذلك قد يخلق صدمة في الشارع، وصدمة للشعب.
* لقد سمعتك تتحدث عن أهمية الحديث المتواتر، على سبيل المثال، وهذا المستوى من مناقشة الشريعة الإسلامية ليس أمرًا نسمعه عادة من ولي عهد أو ملك؟
– هذا هو المصدر الأساسي للانقسام في العالم الإسلامي، بين المسلمين المتطرفين وبقية المسلمين، فهنالك عشرات الآلاف من الأحاديث، والغالبية العظمى منها لم تُثبت، ويستخدمها العديد من الناس كوسيلة لتبرير أفعالهم، فعلى سبيل المثال، تنظيما القاعدة وداعش يستخدمان الأحاديث النبوية الضعيفة جدًّا، والتي لم تثبت صحتها، لإثبات وجهة نظرهم.
لذلك، يخبرنا الله بالقرآن أن نتَّبع تعاليم الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان الناس يدونون القرآن، ويكتبون أحاديث الرسول، وقد أمرهم الرسول بعدم تدوين الحديث في بداية الإسلام؛ حتى لا يختلط الحديث بالقرآن؛ لذلك علينا التأكد من صحة الأساس، وعندما نستدل بأحاديث الرسول علينا أن نكون حذرين جدًّا، وقد حُدِّدت الأحاديث في ثلاثة جوانب.
أولًا: ما نسميه المتواتر، وهذا يعني أن العديد من الناس سمعوا من الرسول عليه الصلاة والسلام، والقليل من الناس سمع من هؤلاء العدة، وقليل من الناس سمعوا ذلك من أولئك القلائل، وقد تم توثيق ذلك، وهذه الأحاديث قوية جدًّا، وعلينا أن نتَّبعها، وعددها قرابة 100 حديث.
وثانيًا: ما نسميها الأحاديث الآحاد، وهي ما سمعه شخص عن الرسول، وسمعه شخص آخر عن الشخص الأول، حتى نصل لمن وثقها، أو سمعها قلة من الناس عن الرسول، وسمعها شخص واحد من هؤلاء القلة، لذلك إذا كان هناك شخص مُسند واحد، فإننا نسميه خبر الواحد، وهذا يُسمى الآحاد، وعلينا تمحيص ما إذا كان ثابتًا، ويتماشى مع تعاليم القرآن، أو يتوافق مع تعاليم المتواتر، ويتماشى مع مصلحة الناس، وبناءً على ذلك يتم استخدامه أم لا.
وثالثًا: ما يُسمى الخبر، وهو ما سمعه شخص عن الرسول، ومن بين طبقات السند أسماء غير معروفة، وهذه الأحاديث عددها عشرات الآلاف، والتي لا يجب عليك استخدامها مطلقًا، إلا في حالة واحدة: إذا كان لديك خياران، وكلاهما جيد جدًّا، فيمكنك استخدام حديث الخبر في هذه الحالة، بشرط أن يكون في مصلحة الناس.
وهذا ما نحاول تحديده ونشره؛ لتثقيف العالم الإسلامي حول طريقة استخدام الحديث، وهذا سيُحدث فارقًا كبيرًا، ويحتاج إلى الوقت، ونحن في المراحل النهائية، وأعتقد أنه يُمكننا إخراجها ربما بعد عامين من اليوم، إنه مُجرد توثيق للحديث بالطريقة الصحيحة؛ لأن الناس عندما يقرؤون كتبًا مختلفة لا يمتلكون طريقة التفكير أو المعرفة لربطها، ونحن ببساطة نقول: إن هذه مثبتة.
* سؤالي إذن، بما أنك قادر على الحديث عن هذا الأمر بمثل هذه السلاسة والمعرفة، فلماذا تحتاج إلى مفتي؟ بإمكانك فعل ذلك بنفسك.
– لأن مهمة المفتي هي الإجابة على الأسئلة اليومية للناس، فمثلًا: إذا أكل شخص في نهار رمضان وأراد أن يعرف ماذا يفعل، هل أذنب أم لا، ثم أراد الاتصال بمن يجيبه على ذلك، فهذا مهمة المفتي، وهذا يستدعي التنظيم، وأن يكون لديك تفويض من الحكومة، ولهذا فإن هدف الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء هو الإجابة على أسئلة الناس بشأن احتياجاتهم.
* هل لي العودة إلى ما قلته سابقًا؟ بأن الأمر متروك لله ليحكم في معصية الإنسان، ولكن السعودية تستخدم عقوبة الإعدام على نحوٍ متكرر، وتتعرض لكثيرٍ من الانتقادات، كما أن لديكم عقوبة قطع اليد، وعقوبات أخرى تفرضها الشريعة الإسلامية، فهل كل هذا يعني أنك تريد التخلص من هذه العقوبات؟
– فيما يتعلق بعقوبة الإعدام، لقد تخلصنا منها جميعًا ما عدا فئة واحدة، وهذه الفئة مذكورة في القرآن، ولا يُمكننا فعل أي شيء حيالها، حتى لو رغبنا في فعل شيء ما؛ لأن فيها قول صريح، فإذا قتل أحدٌ شخصًا آخر، فإن لعائلة المقتول الحق – بعد الذهاب للمحكمة – في المطالبة بقتله، ما لم يعفون عنه. أو إذا كان شخص يُهدد حياة كثير من الناس، فهذا يعني أنه يجب أن يُعاقب بالإعدام، وهذا نصَّ عليه القرآن، بغض النظر عمَّا إذا كنت أحب ذلك أم لا، فليس لدي القدرة على تغييره.
* لكن يمكن وضع بيئة تُشجع على المزيد من التسامح.
– هذا ما نقوم به، وإذا كان لديك متسعًا من الوقت، فبإمكاننا أخذك في جولة إلى كل المحافظات، وإذا ذهبت إلى مبنى المحافظة، ستجد إدارة تعمل فقط على هذه المسألة، وإذا كان هناك عقوبة إعدام، فلن تُنفَّذ في اليوم التالي، بل بعد ستة أشهر أو حتى عام؛ لإعطاء العائلة التي فقدت فردًا مقتولًا الوقت ليهدأوا، ويتفكروا بتمعن، ونسبة عالية من الإعدامات يتم إلغاؤها بناءً على هذه الأنواع من التسويات؛ لذلك نحن نبذل قصارى جهدنا في هذا الشأن، وسنبذل المزيد حيال ذلك، أما عقوبة الجلد التعزيرية فقد تم إلغاؤها تمامًا في المملكة العربية السعودية، ولم يعد هناك أي عقوبة للجلد، فقد أُلغيت 100%، والمشكلة الوحيدة التي نحاول حلها هي التأكد من عدم وجود عقوبة إلا بقانون، وهذا ما نعمل عليه.
إذن، هناك عدد قليل من العقوبات التي ترجع للقاضي، وهذا ما نناقشه ونسعى لإيقافه في العامين أو الثلاثة أعوام القادمة.
* موضوع ذي صلة، كما تعلم، تقول وكالة المخابرات الأميركية: إنه بناءً على ما يعتقدونـ ودراستهم للحالة، أنك أمرت بقتل خاشقجي أو اعتقاله، ما هو ردُّك على هذا الاستنتاج؟
– من المؤلم رؤية أي شخص يُقتل دون وجه حق، لذلك، حتى لو كان الشخص يستحق عقوبة الإعدام أكثر من أي شخصٍ آخر في العالم، فيجب أن يخضع للنظام القضائي، ويجب أن يكون له الحق في الدفاع عنه نفسه، إن ما حدث يُعد أمرًا مؤلمًا، ونتمنى ألَّا يحدث لمواطن سعودي أو لأي مواطن في العالم بأسره، وذلك كان فشلًا ذريعًا في النظام، وقد بذلنا قصارى جهدنا لإصلاح النظام، والتأكد من عدم حدوث مثل ذلك مرة أخرى، كما اتخذنا إجراءات مشابهة لما قد تتخذه أي حكومة منصفة، حيث أحلنا أولئك الأشخاص إلى التحقيق، ومن ثم إلى المحكمة، وبعد ذلك قررت المحكمة عقوبات مختلفة عليهم، وهم يواجهون تِلك العقوبات، وهذا ما حدث عندما ارتكب الأميركيون أخطاء في العراق أو أفغانستان أو غوانتنامو، فأنتم اتخذتم الخطوات الصحيحة، وكذلك فعلنا نحن.
* لكنك تقول: إنه لا علاقة لك بهذا الأمر؟
– لماذا أقوم بذلك؟ إنه أمر واضح.
* لقد تحدثنا عن هذا من قبل، وقلت شيئًا عن هذه الحادثة برمتها، والجدل حولها، وأنها آلمتك حقًا.
– قطعًا، لقد آلمتني كثيرًا، وآلمت السعودية من ناحية “المشاعر”.
* من ناحية “المشاعر”؟
– لقد لامونا. أتفهم الغضب، خاصة بين الصحفيين، وأتقبل مشاعرهم، ولكن نحن أيضًا لدينا مشاعر وألم هنا، فنحن نشعر أننا لم نعامل بالطريقة الصحيحة، أشعر أنا شخصيًّا أن قوانين حقوق الإنسان لم تطبق علي، حيث تنص المادة الحادية عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن كل شخص بريء حتى تثبت إدانته، وأنا لم أنل هذا الحق، لذلك كيف تتحدث معي عن حقوق الإنسان بدون أن تتعامل معي وفقًا للمادة الحادية عشر من إعلان حقوق الإنسان؟ إنه أمر غير منطقي، وشعور مؤلم أنه تم التعامل معنا بهذه الطريقة، ولكن في ذات الوقت نتفهم تلك المشاعر، ولكن السؤال الأكبر بالنسبة لي هو: لقد قُتل سبعون صحفيًّا تقريبًا حول العالم تلك السنة، هل يمكنك أن تسميهم لي؟ لا؟ إذن شكرًا جزيلًا، وهل فعلًا هذا إحساس بزميل صحفي؟ أم إنه مصمم ضدنا، وضدي أنا؟ إذا كان فعلًا إحساس بزميل صحفي، إذن أعطني أسماء الصحفيين السبعين الذين قُتلوا تلك السنة.
* إذن لماذا تظن أن هذه القضية تلقت كل هذا الاهتمام؟
– لأن هناك العديد من الناس الذين يريدون أن يتأكدوا من أن مشروعي، مشروع السعودية اليوم رؤية 2030 يفشل، ولكنهم لن يستطيعوا المساس به، ولن يفشل أبدًا، ولا يوجد شخص على هذا الكوكب يمتلك القوة لإفشاله، يمكنك إبطاؤه بنسبة 5%، هذا أكثر ما تستطيع فعله، ولكن أكثر من ذلك لا يستطيع أحد فعل شيء، ولا أريد أن أوجه اتهامات لأحد، فهناك مجموعات قليلة يستطيع أي شخص يمتلك معرفة جيدة أن يحدد الصلة بين تلك المجموعات في الغرب، والمجموعات في الشرق الأوسط، الذين لديهم مصالح في أن يرونا نفشل.
* هل تعتقد أن خاشقجي كان يجادل بحجج «الإخوان المسلمين» ضد خططك؟
– لم أقرأ مقالًا كاملًا لخاشقجي في حياتي، سواء كان في صحيفة سعودية أو في صحيفة أميركية، ما أقرأه هو موجزي اليومي، إذا كان هناك شيء مهم في الإعلام المحلي والإعلام الإقليمي والإعلام الدولي.
* إذن لم يزعجك أبدًا؟
– لم أقرأ له مقالًا كاملًا إطلاقًا.
* هل أنت واثق أن لا شيء مثل هذا سيتكرر مجددًا؟
– أنا أبذل قصارى جهدي للتأكد من أن لدينا الحوكمة والإجراءات الصحيحة للتأكد من أن مثل هذه الأشياء لن تحدث مرة أخرى، وألتزم بذلك.
* على سبيل المثال إذا وجدت فرقة أخرى، هل يجب أن نقلق بشأن سيطرتك على الأمور؟
– لا آمل ذلك، وأنا أحاول أن أفعل كل ما بوسعي لكي لا يحدث ذلك مجددًا، فكما تعلم لقد عانينا، وكان خطأ كبيرًا، نريد أن نتأكد أن نظامنا ناضج، وأن لا شيء كهذا يمكن أن يحدث مرة أخرى.
* لقد التقيت بخاشقجي مرة واحدة، قبل أسابيع من مقتله، وسألته: “ماذا تريد فعلًا؟ هل تريد الإطاحة بعائلة آل سعود؟” وكانت إجابته لي: ” لا، أعتقد أن آل سعود يجب أن يحكموا السعودية للأبد”. وقد صدمني الأمر عندما قُتل شخص مع الحكم المستمر لآل سعود، إذا كان يعتبر عدو، إذن لابد أن هناك العديد من الناس يُعتبرون أعداء أيضًا، يبدو أن هناك جوًّا عامًّا من الخوف في هذه البلاد؟
– لا أعتقد ذلك، على أي حال إن كانت هذه هي الطريقة التي ندير بها الأمور، فلن يكون خاشقجي من بين أول ألف شخص على القائمة، وإذا افترضنا جدلاً – لا سمح الله – أن هناك عملية أخرى ستجري من هذا القبيل، بالنسبة لشخص آخر، فلن تكون بهذه الطريقة.
إذن لماذا خاشقجي؟ كان خطأ كبيرًا، فنحن لا نؤمن بهذا النوع من العمليات، ولا نؤمن بأي عملية خارج إطار القانون، ونعتقد أنه إذا كان هناك أي شخص ارتكب جريمة، أو أي شخص يشكل خطورة على السعودية، أو يشكل خطرًا على العالم، فسنتخذ الإجراءات بناءً على القانون السعودي، وبناءً على القوانين الدولية، وقوانين الدول الأخرى، وهذا ما فعلناه من إجراءات في الماضي، وما سنفعله في المستقبل.
* من بين الأشياء الأخرى، أضرت عملية قتل خاشقجي بالعلاقات مع الولايات المتحدة، هل تريد أن يعرف عنك جو بايدن شيئًا قد لا يعرفه عنك؟
– ببساطة؟
* نعم.
– إن هذا لا يهمني.
* ماذا تقصد؟
– أن هذا الأمر يعود إليه، ومتروك له للتفكير في مصالح أميركا، فليفعل ذلك إذن.
* ما هي المصالح الأميركية في المملكة العربية السعودية؟
– أنا لستُ أميركيًّا، لذا لا أعرف إذا كان لدي الحق في الحديث عن المصالح الأميركية أم لا، ولكنني أعتقد أن أي دولة في العالم لديها مصالح أساسية: اقتصادية، وسياسية، وأمنية، وهذا هو الأساس الرئيسي الذي تقوم عليه السياسة الخارجية لأي دولة، كيف يمكنني دفع عجلة اقتصاد دولتي؟ وكيف يمكنني تعزيز أمنها؟ وكيف يمكنني تعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية، للتأكد من أن دولتي آمنة، وللتأكد من أن دولتي تنمو، ولديها المزيد من فرص الاستثمار والتجارة، لذا أعتقد أن هذه هي مصالح أميركا، التي تتطلب فِعل ما ذكرته سابقًا.
إن السعودية عضو في مجموعة العشرين، بإمكانك رؤية ترتيبنا قبل 5 سنوات، كنَّا قريبين من المرتبة 20، أما اليوم فنحن على وشك الوصول إلى المرتبة 17 بين دول مجموعة العشرين، ونطمح للوصول إلى مرتبة أعلى من المرتبة 15 بحلول 2030 في عام 2021، فعلى سبيل المثال، كان هدفنا هو نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.9%، ونعتقد أننا حققنا نسبة 5.6% في عام 2021، وهذا بالتأكيد يضعنا من بين أسرع الدول نموًّا في العالم، وفي العام المقبل، سينمو الاقتصاد بأكمله بنسبة تقارب 7%.
والسعودية ليست دولة صغيرة، فهي من ضمن دول مجموعة العشرين، وأسرع البلدان نموًّا في العالم، مما يدفعنا إلى التساؤل، أين تكمن الإمكانيات العالمية؟ إنها في المملكة العربية السعودية، وإذا أردت تفويتها، فهناك أشخاص آخرين في الشرق سيكونون سعداء للغاية، وفي الوقت نفسه تحاول صدهم، أنا لا أستطيع فهم ذلك.
* أي أشخاص تقصد؟ ماذا تعني بـ”صدهم”؟
– فقط تقبل الأمر على ظاهره.
* لا، دعنا نناقش هذا الموضوع. هل أنتَ مرتاح مع الصين بطريقة لم تكن مرتاحًا لها في الماضي؟
– نحن لدينا علاقة طويلة وتاريخية مع أميركا، وبالنسبة لنا في السعودية هدفنا هو الحفاظ عليها وتعزيزها. لدينا مصالح سياسية، ومصالح اقتصادية، ومصالح أمنية، ومصالح دفاعية، ومصالح تجارية، ولدينا العديد من المصالح، ولدينا فرصة كبيرة لتعزيز كل هذه المصالح، وأيضًا لدينا فرصة كبيرة لخفضها في عدة مجالات، وإذا سألتنا في المملكة العربية السعودية، فنحن نريد تعزيزها في جميع المجالات.
وليس لأحد الحق في التدخل في شؤوننا الداخلية، فهذا الأمر يخصنا نحن السعوديين، ولا أحد يستطيع فعل شيء حيال ذلك، وإذا كنتَ تعتقد أن لديك وجهات نظر معينة في الشأن الاجتماعي، وكانت قوية، فأنت ستكسب دون الضغط علينا، اسمح لي أن أقدم لك مثالًا، نحن لم نُلغي العبودية قبل 60 أو 70 سنة؛ لأنه تمت ممارسة ضغوط علينا؛ بل لأنه كان هناك تأثير جيد من الدول الأجنبية، لقد درس السعوديون في الخارج، وجاءت الشركات الأميركية والأوربية وغيرها من الشركات وعَمِلت في السعودية، وكان تأثيرها قوي، وعليه قررنا أن العبودية أمرٌ خطأ لا يمكن الاستمرار به، لذا ألغيناها.
ولهذا فإن ممارسة الضغوط لم تجدي نفعًا على مدى التاريخ، ولن تجدي نفعًا، فإذا كانت لديك الفكرة الصائبة، والطريقة الصحيحة في التفكير، فاستمر فيما تفعله، فالأشخاص سيتبعونك إذا كان ذلك هو الأمر الصائب، وإذا كان الأمر خاطئًا، فالأشخاص سيتبنون طريقتهم الخاصة في التفكير، وعليك تقبل الأمر. فعلى سبيل المثال، في المملكة العربية السعودية، نحن نتقبل ثقافتكم في أميركا، ونتقبل طريقة تفكيركم، ونتقبل كل شيء في دولتكم؛ لأن هذا الأمر عائد لكم، ونتمنى أن يتم معاملتنا بنفس الطريقة، فنحن نختلف مع الكثير من الأشياء التي تؤمنون بها، لكننا نحترمها، فليس لدينا الحق في وعظكم في أميركا، بغض النظر عما إذا كنا نتفق معكم أو لا، ونفس الأمر ينطبق علينا. أنا لا أعتقد أننا نحن في المملكة العربية السعودية قد وصلنا إلى المعيار الاجتماعي الذي نطمح له، ومع ذلك، نحن نختار التغييرات التي نعتقد أننا – كسعوديين – نشعر بالثقة فيها، بناءً على ثقافتنا ومعتقداتنا في المملكة العربية السعودية.
* لو أمكنك العودة إلى موضوع الصين.
– إن السعودية واحدة من أسرع البلدان نموًّا في العالم، وستُصبح قريبًا جدًّا البلد الأسرع نموًّا في العالم. لدينا اثنان من أكبر عشرة صناديق في العالم، والمملكة تمتلك واحدة من أكبر الاحتياطيات بالعملة الأجنبية في العالم، والسعودية لديها القدرة على تلبية 12% من الطلب على البترول في العالم، والسعودية تقع بين ثلاث مضائق بحرية: مضيق السويس ومضيق باب المندب ومضيق هرمز، وتطل على البحر الأحمر والخليج العربي، ويمر من خلالها 27% تقريبًا من التجارة العالمية، وإجمالي الاستثمارات السعودية في أميركا هو 800 مليار دولار، وفي الصين، حتى هذا الوقت، استثمرنا أقل من 100 مليار دولار، ولكن يبدو أنها تنمو هناك بسرعة كبيرة، كما أن لدى الشركات الأميركية تركيز كبير على المملكة العربية السعودية إذ لدينا أكثر من 300 ألف أميركي في السعودية، وبعضهم يحملون كِلا الجنسيتين، ويقيمون فيها، والعدد يزداد كل يوم، لذا فالمصالح واضحة، والأمر يعود لكم سواء كنتَ تريد الفوز بالسعودية أو الخسارة.
* إذا قبِلنا أن الولايات المتحدة لا تستطيع التأثير على المملكة العربية السعودية في الشؤون الداخلية.
– في الحقيقة، إذا حاولتَ الضغط علينا بخصوص شيء نؤمن به بالفعل، أنت فقط تُصعب علينا تنفيذه.
* ولكن أميركا تنظر إلى حلفائها وتحكم ما إذا كان هؤلاء الحلفاء آمنون على المدى الطويل، وفقًا لما إذا كانوا ينتهجون سياسات تُشابه الأيديولوجية أو المصالح الأميركية، وإذا رأينا نموًّا اقتصاديًّا سريعًا لا يصاحبه تحرر سياسي، أو يصاحبه ما هو عكس التحرر السياسي، فسنرى أن ذلك يشابه الصين إلى حد كبير، ويشبه كثيرًا روسيا، هل يجب أن نكون غير مرتاحين؟
– لا، أبدًا. فعلى سبيل المثال، في السعودية، هل تتراجع التنمية الاجتماعية للخلف أم تتقدم للأمام؟ انظروا فقط لما حدث في الخمس سنوات الماضية، وما يحدث اليوم، وانظروا لما سيحدث العام القادم. إنها بلا شك تتقدم للأمام. لا يحتاج الأمر خبيرًا ليرى ذلك، قوموا بإجراء بحوثكم فقط على الإنترنت، أو قوموا برحلة قصيرة إلى السعودية، وسيكون بإمكانكم رؤية ذلك، تحدثوا إلى الناس، فمن بين نحو الـ33 مليون نسمة الذين يعيشون في السعودية، نحو 20 مليون سعودي، وسوف يخبرونكم بذلك. لذا ومن الناحية الاجتماعية نحن نسير في الطريق الصحيح، لكن على أية حال، لن تبدو المرحلة النهائية مطابقة لمعاييركم الاجتماعية بنسبة 100%، لنقل: إنها ستكون بين 70 و80%، يمكنني القول: إن ما نحن عليه اليوم 50%، ولا تزال هناك 20 إلى 30% يتعين علينا الوصول إليها، ولن نصل إلى 100%؛ لأن لدينا بعض المعتقدات التي نحترمها في السعودية، وهذا لا يتعلق بي، بل يتعلق بالشعب السعودي، وأنا من واجبي أن أحترم المعتقدات السعودية، ومعتقداتي كمواطن سعودي بينهم، وأن أناضل من أجلها.
* تبدو في بعض الأحيان متفاجئًا من عدم إقرار الأميركيين بنسب مزيد من الفضل للسعودية فيما يخص قضايا المرأة؟
– نحن لا نقوم بذلك لينسب إلينا الفضل، هذا لا يهمنا، وما نقوم به هو من أجلنا نحن السعوديون، فإذا نظرتم إلى الأمر من منظور صحيح، فشكرًا لكم، أما إذا كنتم لا تهتمون كثيرًا، فهذا شأنكم.
* الملكية الدستورية. هل يمكن لهذا أن يحدث في مستقبل السعودية؟
– لا، هذا لن ينجح، لن تنجح الملكية الدستورية، فقد تم تأسيس السعودية على الملكية المطلقة، الآلاف من الأنظمة تحتها من شيوخ قبائل ورؤساء مراكز وهجر، وكذلك الأسرة المالكة السعودية التي أمثلها، والشعب السعودي الذي أمثله، فهذه الآلاف من الأنظمة يعد ملك المملكة العربية السعودية هو قائدها وهو من يحمي مصالحها، وهؤلاء يشكلون 13 إلى 14 مليون سعودي من بين 20 مليون سعودي تقريبًا، لذا لا يمكنني شن انقلاب على 14 مليون مواطن سعودي.
* هل اجتذبتك يومًا أفكار الديمقراطية أو حتى الملكية الدستورية بأي طريقة؟
– نعم، بالتأكيد. هناك الكثير من الأفكار الجاذبة، فالديمقراطية جذابة، وكذلك الملكية الدستورية جذابة، لكن الأمر يعتمد على المكان والطريقة والخلفية. فالديمقراطية في أميركا رائعة، إذ نتج عن الديمقراطية أكبر ناتج محلي إجمالي في العالم، ودولة عظيمة، وقد نتج عنها العديد من الأشياء العظيمة في العالم بأكمله، لكنها وُجدت وصُممت بناءً على الوضع الذي كنتم فيه من إخراج البريطانيين وحتى توحيد أميركا، وبالتالي، فقد صممتم نظامكم السياسي، ومعتقداتكم الاجتماعية بطريقة تدعم أميركا، ومن ثم تطورتم، ولو نظرتم إلى أميركا قبل 100 سنة على سبيل المثال، ستجدون المعتقدات الاجتماعية السائدة حينها سخيفة! وحتى بالنسبة لنا في السعودية، نراها سخيفة، لذا لقد تطورت.
لكن السعودية كملكية مطلقة، لا تعني أن الملك يمكنه أن يستيقظ غدًا ويفعل ما يحلو له، فهناك أمر أساسي يقود الطريقة الشرعية لإدارة شؤون البلاد، وهو النظام الأساسي للحكم، الذي ينص بوضوح أن هناك ثلاثة سلطات: الأولى السلطة التنفيذية، التي يقودها الملك كرئيس لمجلس الوزراء، أما السلطتين الأخريين القضائية والتنظيمية، فلا يقودهما ولكن يقوم بتعيينهما، وإليكم مثال عن طريقة اتخاذ القرار، فقد أردنا السماح للمرأة بالقيادة منذ عام 2015م، لكننا لم نستطع القيام بذلك قبل 2017م، وهذا يوضح لكم كيف أننا نعمل وفقًا للقوانين، ووفقًا للنظام الأساسي للحكم، وأمام الشعب، أما لو أدرنا شؤون البلاد بعشوائية، كخيمة، فهذا يعني أن الاقتصاد بأكمله سينهار، ولن يستثمر أحد في السعودية، والسعوديون لن يؤمنوا بنا، فلا يمكننا إدارة شؤون البلاد بعشوائية. هذه كانت طريقة القذافي.
لقد جاءت الأسرة المالكة السعودية قبل 600 سنة، كأسرة حاكمة، حيث أسسوا الدولة السعودية قبل 300 سنة، ثم انهارت لمدة سبع سنوات، ثم عادت مرة أخرى، وانهارت لمدة 10 سنوات، ثم عادت مجددًا، وقد تعلمنا الكثير من الدروس، وتطورنا، كما تطور النظام، وكل جيل يأتي، يأتي بناءً على نظام أساسه هذه السلطات الثلاث، وعندما يأتي ملك جديد، يأتي ولي عهد جديد، لا يحاولان تقويض هذه السلطات؛ لأن هذه هي قوة السعودية.
وهذا ما يجعل السعودية دولة في مجموعة العشرين، حيث تمتلك 12% من احتياجات البترول، وثاني أكبر احتياطيات نفطية مثبتة في العالم، ولديها اثنين من أكبر الصناديق السيادية في العالم، وما جعلها هكذا أن كل جيل يأتي، يبني عليها ويستثمر فيها ويطورها للمستقبل، كما فعل الأميركيون خلال الـ300 سنة الماضية.
* لقد سمعت بعض السعوديين يقولون: إنه مع كل جيل، هناك المزيد من أفراد الأسرة المالكة، وربما سيكونون في نهاية المطاف أكثر مما ينبغي، لذا ربما يجب ألَّا يحصل بعضهم على اللقب. هل ترى أن هذا محتمل؟
– اذهب وتحدث إليهم.
* أعلم ما الذي سيقولونه.
– نحن في السعودية ليس لدينا مفهوم الدماء الملكية، وطريقتنا كأسرة مالكة هي خدمة الشعب والحفاظ على وحدته، نحن جزء من الشعب، فعلى سبيل المثال، والدتي ليست من الأسرة المالكة، بل من أسرة قبلية، من قبيلة العجمان من قبائل يام، وعددهم ما يقارب مليون نسمة في السعودية، وإذا نظرتم إلى الأسرة المالكة، ستجدون أننا نتزوج من عامة الناس، وأننا جزء منهم، نحن نعيش هنا وتربينا هنا، ونحن جزء من شبه الجزيرة العربية، لقد كنا نحكم المناطق كـ بني حنيفة منذ كُتب التاريخ، وحتى قبل الإسلام وقد أسسنا الدرعية الأولى، في وقت غير معروف، ثم أسسنا الدرعية الثانية قبل 600 سنة، وأسسنا السعودية قبل 300 سنة، لذا نحن جزء من الشعب، وليس لأي فرد من الأسرة المالكة حق خاص ليمارسه ضد الشعب، وإذا تخطى حدًّا فسيُعاقب مثل أي شخص في السعودية، وإذا ارتكب جريمة سيُعاقب ويواجه القانون كأي شخص في السعودية، أما كونه فرد من الأسرة المالكة فهو لقب عليه احترامه.
* لنتحدث عن حادثة الريتز كارلتون، لقد أصبحت مثيرةً للجدل، وذلك جزئيًّا لأنك استخدمت فندقًا فاخرًا كسجن، ولكن من جهة أخرى، أخبرني زميلي غرايم بشيء مثير للاهتمام، حيث قال: “لقد كان بإمكانهم أن يستخدموا سجنًا، لكنهم استخدموا فندقًا فاخرًا”؟
– ما حدث في الريتز كارلتون لم يكن اعتقال أشخاص، بل كان من أجل منحهم خيارين، الأول: أننا سنعاملهم وفقًا للقانون تمامًا، وبالتالي ستقوم النيابة العامة بإعداد لائحة الاتهام، والخيار الثاني لهؤلاء الأشخاص: كان سؤالهم ما إذا كانوا يرغبون بأن يسلكوا طريق المفاوضات، وقد اختار 95% منهم طريق المفاوضات، لذا لم يكونوا مجرمين، ولم يكن بإمكاننا وضعهم في السجن، لقد وافقوا على البقاء في الريتز كارلتون لإجراء المفاوضات ولإنهائها، وأعتقد أن 90% من المفاوضات قد انتهت، أما البقية، وهم من رفضوا التفاوض، فقد أحيلوا إلى النيابة العامة وفقًا للقانون السعودي، وهناك نسبة جيدة اتضح أنهم بريئون، سواء عبر المفاوضات أو في المحاكم.
* إذن لم يكن الغرض من الريتز كارلتون التخلص من المنافسين؟
– إذا كنت تقصد التخلص من المنافسين بوضعهم في الريتز كارلتون فهم أصلًا غير موجودين، فكيف لي أن أتخلص من أشخاص ليس لديهم سلطة أساسًا وبهذه الطريقة.)
لقد كانت وبوضوح محاولة إيقاف مشكلة ضخمة في السعودية، ففي كل ميزانية، هناك نسبة عالية تذهب للفاسدين، لن يكون لدينا نمو بنسبة 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، ولن تكون لدينا زيادة 50% من الاستثمار الأجنبي في السعودية في 2021م لو استمر الفساد، ولن يكون هناك وزراء أكفاء، ولا أشخاص بارزون أكفاء يعملون في الحكومة ويكافحون ليل نهار، ويعملون على مدار اليوم، مالم يعتقدوا أنهم يسلكون طريقًا قويمًا ومشروعًا، وهذا لن يحدث طالما كان هناك فساد في السعودية.
* كيف خطرت ببالك فكرة القيام بذلك؟
– لم يكن ذلك مني، لقد كان أحد أوامر الملك سلمان في بداية 2015م القضاء على الفساد، وقد بدأت الحكومة في جمع الملفات وتجهيزها في عام 2017م، ومناقشة أفضل مسار للعمل، ومن ثم أصدر الملك القرار بنفسه.
* هل تعتقد أن ذلك كان مجديًا؟
– بالتأكيد، لقد كانت ذلك رسالةً قوية، لقد اعتقد البعض أن السعودية كانت تحاول اصطياد الحيتان الكبيرة والمحترفة، لكنهم بحلول عام 2019م إلى 2020م، أدركوا أنه حتى لو سرق أحدهم 100 دولار فسيدفع الثمن.
* لنتحدث لوهلة عن قطر، لقد تغير موقفك الآن كثيرًا عن موقفك قبل عدة أشهر.
– إنه شجار بين أفراد العائلة.
* شجار عائلي، هل انتهى الشجار العائلي؟
– بالتأكيد، العائلة تظل عائلة، والأمر مثل شجار بين الأشقاء، مما يعني أنهم حتمًا سيتجاوزونه، وحتمًا سوف نصبح أفضل الأصدقاء، فلدى دول مجلس التعاون الخليجي نفس النظام، ولدينا نفس الآراء السياسية بنسبة 90% على ما أعتقد، ونواجه نفس المخاطر الأمنية، ونفس التحديات والفرص الاقتصادية، ولدينا كذلك نفس المجتمع والنسيج الاجتماعي، لذا نحن كلنا كدول مجلس التعاون الخليجي مثل دولة واحدة، وهذا ما دفعنا لتأسيس مجلس التعاون والعمل معًا؛ لأن عملنا معًا سيضمن أمننا، ويضمن نجاح خطتنا الاقتصادية، وسيُظهر أن أجندتنا السياسية يمكنها أن تنجح أيضًا، ومن المؤكد أن هناك بضعة اختلافات، لكن دورنا يتمثل في تعزيز المصالح، وحل الاختلافات.
* اعتقد بعض السعوديين أن ذلك نوع من أنواع الحروب الباردة بين البلدين، لقد كانوا خائفين مما قد يحدث لهم أو لذويهم في حال أيدوا قطر، كيف تعتقد أنهم يشعرون الآن بعد أن عاد الدفء في العلاقات فجأة، وكأن العلاقة قد أُصلحت؟ يبدو أن هذا تغير كبير.
– لا أرغب في الحديث عن أشياء سلبية، لقد تجاوزنا الأمر، واليوم باتت لدينا علاقات رائعة ومذهلة مع قطر، والشيخ تميم شخص رائع، وقائد رائع، وكذلك الحال لبقية قادة دول الخليج، وهدفنا وتركيزنا منصب على كيفية بناء مستقبل رائع، فهم قريبين منا جدًّا الآن، وأصبحنا أفضل من أي وقت آخر على مر التاريخ.
* بالطبع السؤال المهم الآخر هو إذا ما كنت تعتقد أنك تحظى بعلاقات أكثر إيجابية مع إيران، هذا ليس خصام عائلي، فهم ليسوا من دول مجلس التعاون الخليج.
– إنهم جيراننا، وسيبقون جيراننا للأبد، ليس بإمكاننا التخلص منهم، وليس بإمكانهم التخلص منا، لذا فإنه من الأفضل أن نحل الأمور، وأن نبحث عن سُبل لنتمكن من التعايش، وقد قمنا خلال أربعة أشهر بمناقشات، وسمعنا العديد من التصريحات من القادة الإيرانيين، والتي كانت محل ترحيب لدينا في المملكة العربية السعودية، وسوف نستمر في تفاصيل هذه المناقشات، وآمل أن نصل إلى موقف يكون جيدًا لكلا البلدين، ويشكل مستقبلًا مشرقًا للسعودية وإيران.
* لكن هل تفضل وجود الاتفاق النووي أم لا تفضله؟
– أعتقد أن أي بلد في العالم لديه قنابل نووية يُعد خطيرًا، سوءًا إيران أو أي دولة أخرى، لذا نحن لا نود أن نرى ذلك، وأيضًا نحن لا نرغب في رؤية اتفاق نووي ضعيف؛ لأنه سيؤدي في النهاية إلى ذات النتيجة.
* لقد قام رئيس الوزراء الإسرائيلي مؤخرًا بزيارة لأبو ظبي، هل تعتقد أن المملكة العربية السعودية ستحذو حذو بعض الدول العربية في مسألة إيجاد علاقات دبلوماسية مع إسرائيل؟
– الاتفاق بين دول مجلس التعاون الخليجي هو ألَّا تقوم أي دولة بأي تصرف سياسي، أمني، اقتصادي من شأنه أن يُلحق الضرر بدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، وجميع دول المجلس ملتزمة بذلك، وما عدا ذلك، فإن كل دولة لها الحرية الكاملة في القيام بأي شيء ترغب القيام به حسب ما ترى. إنهم يملكون الحق كاملًا في القيام بأي شيء يرونه مناسبًا للإمارات العربية المتحدة، أما بالنسبة لنا، فإننا نأمل أن تُحل المشكلة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. إننا لا ننظر لإسرائيل كعدو، بل ننظر لهم كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معًا، لكن يجب أن تحل بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك.
* هنالك شيء يقوله الناس عنك وهو أنك حساس جدًّا تجاه النقد، لقد ظهر ذلك الاعتقاد بعد قضية مقتل خاشقجي، لكن ليست قضية خاشقجي فقط، وأنا أعلم أنك لا تهتم بما يظنه جو بايدن عنك، لكنك ولي العهد في نظام ملكي مطلق، ولديك كم كبير من السلطة، وقد يعتقد الناس أن شخصًا في مثل موقعك يمكنه التعامل مع النقد، هل تعتقد أنك جيد في التعامل مع النقد؟
– شكرًا لك على هذا السؤال، لو لم أكن قادرًا على التعامل مع النقد لما كنت جالسًا معك اليوم أستمع لهذا السؤال، والسؤال السابق والسؤال القادم الذي ستسأله.
* سأكون في فندق الريتز كارلتون؟
– حسنًا، على الأقل إنه فندق خمس نجوم.
ما سأقوله هنا هو أنني لا أعرف من أين أتى هذا الاستنتاج، لذا، إذا كان بإمكانك استخدام مثال معين، فعندئذ يمكنني الإجابة.
أعتقد أن الإعلام السعودي يجب أن ينتقد عمل الحكومة، خطط الحكومة، أيًّا كان؛ لأن ذلك أمرٌ جيد.
* ألا يفعلون ذلك بما فيه الكفاية؟
– إنهم يفعلون ذلك بطريقة جيدة، ويناقشون عددًا من القضايا، وينشرون الأفكار، ويتحدثون عن كل خطة، وعن كل إستراتيجية، وعن كل سياسة تقوم بها كل وزارة، وهذا أمر جيد، ونحن بحاجة إلى ذلك؛ لأنك بحاجة إلى آراء العديد من الأشخاص، وكذلك بالنسبة لي كولي عهد للمملكة العربية السعودية، فهذا أمر جيد، حتى وسائل الإعلام العالمية، متى ما كتبت عن المملكة العربية السعودية، فإن كانت حقًّا كتابة موضوعية، بدون أي أجندات أو أيديولوجيات، فهذا مفيد للغاية بالنسبة لنا، لقد تعلمنا من بعض الأخطاء من مثل هذا النوع من المقالات والتقارير، لذلك فإن هذا أمر جيد، نحن بحاجة لذلك.
* وهل تشعر أنك تحصل على مشورة صادقة ومباشرة من مستشاريك، ليس من أخيك فقط، هل تشعر أنك محاط بأشخاص يقولون لك الحقيقة، ويتحدثون معك بكل صراحة؟
– نعم، وإن كان هنالك إمعة في مَن حولي، فيجب أن يرحل في أقرب وقت ممكن.
* هل تحب النقاش؟
– أنا بالتأكيد أحب النقاش، وأحب أيضًا أن أذهب إلى العمل، أعتقد أن كل وزير في مجلس الوزراء، وكل مستشار في الديوان الملكي، هم أشخاص يتمتعون بقدرات فائقة، أنا محظوظ جدًّا لتواجدهم، لقد كنت محظوظًا جدًّا في جلبهم في السنوات القليلة الماضية، لديهم عقول مذهلة، وأفكار مدهشة، ولديهم شغف كبير بما يؤمنون به، أيًّا كان القطاع الذي يعلمون فيه، إنهم يعملون بقوة لتحقيق الأشياء، ويُناقشون بشدة، ثم في نهاية المطاف، كما تعلمون، نتخذ القرارات بناءً على قوانين المملكة العربية السعودية، التي ستحقق مصلحة البلاد.
على سبيل المثال، يتم اتخاذ القرارات في المملكة العربية السعودية في السلطة التنفيذية بالتصويت في مجلس الوزراء، وليس الملك أو ولي العهد هم من يقولون: “علينا أن نفعل ذلك”، ووفقًا للإجراءات، فالملك وأنا، لا يمكننا التصويت أولًا، يجب أن نكون آخر شخصين يصوتان؛ حتى لا نؤثر على أفكار أو أصوات الوزراء، والعديد من الوزراء يصوتون ضد ما أُصوت له، وهم لا يزالون يعملون في الحكومة، ويفعلون الكثير من الأشياء الرائعة، وهذا ما تحتاجه في أي مؤسسة أو شركة أو دولة.
* هل لديك السلطة لمنح العفو أو تخفيف العقوبة؟ مثلما فعلت دولة الكويت مؤخرًا بالسجناء السياسيين، هل هذا شيء يقع ضمن حدود قدراتك؟ وهل تدرس فكرة القيام بأمر كهذا؟
– هذا الأمر لا يقع ضمن حدود سلطاتي، بل ضمن سلطات الملك، والأمر كذلك ينطبق على رئيس الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال، الذي لديه السلطة لكي يمنح العفو.
وبالنسبة لنا، لدينا التطرف اليساري والتطرف اليميني على سبيل المثال، وإذا منحت العفو في مجال ما، فإنك ستعفو حينها عن أشخاص سيئين، وهذا الأمر من شأنه أن يعيد الأمور إلى الوراء في السعودية.
* إذن من الخطر القيام بهذا الأمر في هذه المرحلة؟
– الملك يريد أن يجعل الأمر عائد للسلطة القضائية، وإذا كانت لدينا مشاكل، سيتم حلها من خلال تحسين جودة النظام القضائي.
* عندما وجهت سؤالًا للسعوديين عمَّن هي الشخصية التاريخية التي يجب مقارنتها بولي العهد، أجابوا بأن الملك عبدالعزيز يأتي في المقدمة، ولكنهم أيضًا ذكروا الملك فيصل، وذلك لأن الملك فيصل أيضًا أدار البلاد في فترة شهدت فيها المملكة مخاطر كبيرة شكَّلها التيار الشيوعي والتيار الناصري وغيرهم، ولكنهم قالوا: إن الملك فيصل لم يكن قاسيًا في بعض العقوبات ضد المعارضين مقارنة بك. لذا، هل تعتقد أنك تحكم في فترة تشهد مخاطر أكبر من المخاطر التي شهدها البلاد في فترة الملك فيصل؟
– أكرر مرة أخرى، العقوبات لم تصدر مني أنا شخصيًّا، بل صدرت عن النظام القضائي السعودي، إنني لا أدافع عن هذا النظام، ولا أقول إنه النظام الأفضل في العالم، فأمامنا طريق طويل لتحسينه، ولتغييره من خلال مجلس الوزراء، ومجلس الشورى، لقد قمنا بالفعل بإجراء تغييرات كبيرة، ولا يزال الطريق طويلًا أمامنا حتى نصل إلى معايير عالية على الصعيد الدولي، ولكن مرة أخرى، لم أكن أنا من أصدر هذه العقوبات، بل تم إصدارها في نهاية المطاف من قبل النظام القضائي، قد يكون لدينا أنواع مختلفة من الأحداث في أوقات مختلفة، والعقوبات تُصدر بناءً على وجهات نظر القاضي، وبناءً على النظام السعودي.
* سأطرح السؤال بطريقة مختلفة، من الواضح أننا نشهد أوقاتًا مبشرة بالنسبة للسعودية، هل نحن أيضًا نشهد أوقاتًا تكتنفها المخاطر الكبيرة؟
– مخاطر من ماذا؟
* خطر من عدم الاستقرار السياسي، خطر مرتبط بعدم استمرار السلطة؟ لقد أخبرنا العديد من مستشاريك أنه في حالة عدم نجاح ولي العهد، فقد نشهد حينها نشأة الإمارة الإسلامية العربية، وقد نواجه كارثة حقيقية.
– بلا شك تتمثل مهمة الملك ومهمتي في ضمان ألَّا يكون الأمر يدور حوله أو حولي، نعم لقد قمنا بتغييرات كبيرة في السعودية.
إننا نتعلم من الأخطاء المرتكبة بواسطة كل جيل، ونراقب عن كثب، ونريد ضمان ألَّا تكرر هذه الأخطاء، ومهما حدث، ومهما كانت المشاريع في السعودية، يجب أن يستمر الأمر، ويتعين أن تكون الخلافة سلمية ومستمرة، وإذا نظرت إلى المائة عام الماضية، فسترى أنها كانت سلمية، ففي الثانية التي تعقب وفاة الملك، يصبح ولي العهد هو الملك، ويتم تعيين ولي عهد جديد، أطال الله في عمر الملك.
* إذن، هل الأشخاص الذين تحدثوا معي كانوا يبالغون عندما قالوا: إنه في حال عدم نجاح رؤية 2030 ستشهد السعودية كارثة جيوسياسية؟
– الأمر الذي لا أعلمه هو كيف عواقب ذلك؟ نأمل ألَّا نفكر في الأمر أو أن نصل إليه، إننا نأمل فقط أن نفكر في كيفية الاستمرار، وأن نحرز تقدمًا، وأن نحقق ما نريد تحقيقه.
* لقد لاحظت أن هنالك تغيير في أحكام هيئة البيعة يفيد بأنه بعد انتهاء حكم أبناء عبدالعزيز، في تلك المرحلة، لا يمكن أن يأتي ولي العهد من نفس فرع الملك.
– هذا صحيح، على سبيل المثال، لا يسعني أن أعيَّن الأمير خالد بن سلمان وليًّا للعهد.
* حسنًا، ولا حتى أبناؤك أيضًا؟
– يجب علي أن أختار من فرع مختلف وفقًا لنظام هيئة البيعة.
* وكيف ستتخذ هذا القرار عندما يحين الوقت؟
– ستكون آخر شخص يعلم بشأن ذلك، هذه من المواضيع المحظورة التي لا يعلمها إلا نحن أبناء العائلة المالكة، الملك وأنا والأعضاء الـ 34 في هيئة البيعة، وسيضحون بحياتهم قبل أن يتحدثوا عن أيٍّ من هذه المواضيع.
* هل تعتقد أنه كانت هنالك وسيلة ما كان يمكن من خلالها إدخال أيٍّ من الإصلاحات دون اللجوء إلى الإجراءات الدراماتيكية التي قمت باتخاذها، بما في ذلك مسألة الريتز كارلتون، وبما في ذلك على الأقل التصور الذي يفيد بأن الأشخاص لا يمكنهم المعارضة علنًا؟ هل كان بالإمكان القيام بذلك بطريقة أكثر انفتاحًا وتحررًا؟
– لا أريد أن أجادل بشأن هذه المسألة مجددًا، لكنني أعتقد أن ما قمنا به في السعودية يمثّل الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها تحقيق ما أردنا تحقيقه، وكما تعلم، في بعض الأحيان يتعين على المرء أن يضغط في بعض المجالات التي سيكون لبعض القرارات الصعبة فيها تأثيرات جانبية، ولقد اتخذنا أقل القرارات ضررًا، وينبغي عليك اتخاذ هذه القرارات لصالح الدولة.
* عندما تحدثنا في المرة سابقًا، أخبرتنا قليلًا عن متابعتك للأمور التي تحدث في البلاد، وذكرت متابعتك لوسائل التواصل الاجتماعي، كم الوقت الذي تمضيه على تويتر، وسناب تشات، وغيرها من التطبيقات؟
– في أيام عطلة نهاية الأسبوع، لا أحاول التفاعل معها، وقد كنت في الفترة ما بين 2009 حتى أوائل 2018، بالكاد آخذ عطلة نهاية الأسبوع، وإذا أخذت عطلة نهاية الأسبوع خلال شهرين، فإنني محظوظ حينها، لقد اكتسبت الكثير من الوزن، ولقد كان الأمر صعبًا، ولكن منذ 2018 بدأت أخذ عطل نهاية الأسبوع، عندما كان كل شيء موجود في مكانه، أشخاص جيدون، حكومة جيدة، وغيرها، وكانت الخطط موضوعة، وكانت لدينا أيام عمل اعتيادية، وفي أيام عطل نهاية الأسبوع وفي الإجازات أحاول أن أرتاح، وإن لم أقم بذلك، فإنني سأنهار، وفي أيام العمل أعمل طيلة اليوم، وأقضي 10 إلى 20 دقيقة على الأكثر لمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي كل يوم.
* لكنك تتابع تويتر؟
– أتصفحها جميعًا: تويتر، إنستغرام، وغيرها، ولذلك أريد فقط أن أكون واثقًا من أن فريقي الإعلامي يدرك أنني أقوم ببحث مستقل، أنا أقرأ آبل نيوز، وإنه أمرٌ رائع توفير كل هذه الصحف على تطبيق واحد، كما أقرأ بعض الصحف السعودية، والصحف عالمية، وبالتالي فلنقُل إنني أقضي على الوسائل الاجتماعية قرابة 20 دقيقة، وقرابة نصف ساعة على وسائل إعلام أخرى، وعادة ما أقوم بذلك أثناء تناولي الفطور مع عائلتي، حيث التلفاز يعمل، والآيباد أيضًا، وكذلك أقوم بأمرين أو ثلاثة في نفس الوقت مع العائلة كقراءة الأخبار أو المتابعة.
* ماذا تتابع؟
– حسنًا، كما تعلمون أنا أحاول متابعة ما هو خارج عالمي أثناء متابعة الأفلام أو المسلسلات، فعلى سبيل المثال، مسلسل «هاوس أوف كاردز» لا يناسبني.
* هل هو مشابه للذهاب إلى العمل؟
– حين يتابعه المرء، يجعله مثلما تعلمون، يفكّر بالعمل، ولذلك بالنسبة لشخص مثلي، يُعتَبر مسلسل «فاونديشن» مناسب للمشاهدة، وفاونديشن هو مسلسل جديد، إنه لا يصدق، مذهل، و«غيم أوف ثرونز» على سبيل المثال، هو عظيم، ومذهل.
* «غيم أوف ثرونز» يعد أيضًا مشابه للعمل.
– إنه خيالي أكثر، خيال علمي.
* هل لديك شخصية مفضَّلة من «غيم أوف ثرونز»؟
– لا، فلنقل هناك الكثير من الشخصيات المثيرة، مثيرة فعلًا، وهذا ما يجعله جيد جدًّا، قصة مشوِّقة، خلاف مشوِّق، إنه مذهل، ولكن ما أود متابعته هو شيء من خارج هذا العالم، كالخيال، والخيال العلمي، والأبطال الخارقين، والأنيميشن أيًّا كانت، ولكن شيء على الأقل من مارفل أو اليابان، ولذلك كأنني أقول: أخرجوني من هذا العالم، فأقوم بذلك غالبًا لنصف ساعة كل يوم قبل نَوْمي، أما بالنسبة لعُطَل أيام الأسبوع، فأحب القيام بالرياضة، وفي الواقع أقوم بتمارين الكارديو ليوم واحد، مثل ساعة ونصف، ولا أحب القيام بها في صالة رياضية، حيث أراها سيئة، وأقوم بدلًا من ذلك بلعب رياضة كرة السلة لهذه التمارين بالذات، أحب كرة السلة لسبب واحد فقط: لأن كرة القدم، قد يتعرض المرء للإصابة فيها، وقد يتوقف المرء عن ممارسة التمارين لثلاثة أو أربعة أشهر إذا حدث ذلك، وبالتالي لا أريد ممارسة هذه اللعبة، بينما كرة السلة آمنة، حيث بإمكان المرء التحرك كثيرًا، ومع الحركة الكثيرة، يتحرك لفترة جيدة من الوقت بينما يلعب الألعاب ويستمتع بوقته، وذلك جيد جدًّا.
* إلى ماذا تستمع؟
– أنا لا تعجبني الموسيقى العربية الجديدة، رغم أن البعض منها جيد، ولكن غالبًا ما أرى أن الموسيقى القديمة أفضل، وأيضًا أحب الاستماع إلى الموسيقى الوطنية من مناطق مختلفة.
* أعني، لقد لاحظنا أنك تجلب الترفيه الغربي بطريقة كانت قبل 15 عامًا مستحيلة.
– إنها كما تعلمون جزء من نوعية الحياة، ولذلك حينما نحاول إقناع المواهب بالمجيء إلى هنا، ونحاول إبقاء الموهبة السعودية في السعودية نفسها، وإبقاء المستثمرين السعوديين في السعودية، وإقناع المستثمرين الأجانب، ونحاول الوصول إلى هدف مائة مليون سائح بحلول 2030م، حيث ارتفع العدد من حوالي ستة ملايين في عام 2016 إلى 17.5 مليون سائح في 2019م؛ فيجب علينا أن نوفر لهم جميع البنى التحتية كالمشاريع والفنادق والمنتزهات وغير ذلك، والبرامج والفعاليات المتنوعة، بغض النظر عن كونها في الرياضة، أو الثقافة، أو الموسيقى، أو أيًّا كانت، فعلى المرء أن يجلب أفضل ما هو موجود ليتأكد من أن يصل إلى هذا الهدف السياحي، والهدف الرياضي، والهدف الثقافي، إذ يجب أن نعمل على هذه الأهداف جميعًا، لتحقيق ما يعادل 10% إلى 15% من الناتج المحلي الإجمالي للسعودية في 2030م.
* هل يعترض القادة الدينيون على الموسيقى؟
– نعم، يفعلون ذلك، ويجادلون ونحن نجادلهم بدورنا، ومرةً أخرى، نرجع إلى التعاليم الإسلامية، وبالتالي تعد الموسيقى أمرًا ذا خِلاف في الإسلام، وليست أمرًا متفّقًا عليه في الإسلام مع عِلمهم بذلك، وإذا كان متفّق عليها عند المسلمين، فلدينا أمور في تعاليم الرسول تقول: إن الضرورات تبيح المحظورات.
* الضرورات تُبيح المحظورات؟
– نعم، فإذا كنت سأخفِّض معدَّل البطالة، وكانت السياحة ستوفر مليون وظيفة في السعودية، وإذا كنت قادرًا على جعل ثلاثين مليار دولار لا تُصرف خارج السعودية، ويبقى معظمها في السعودية؛ كي لا يسافر السعوديون بنفس قدر سفرهم الآن، فيجب عليَّ فعل ذلك، حيث إنهم سيقومون بالسياحة خارج السعودية على أية حال، ولذلك لدينا أمرٌ ثالث نقوله: اختر الضرر الأصغر بدلًا من الضرر الأكبر.
¤ ترجمة جريدة الشرق الأوسط
#رياح_الجنوب